المملكة العربية السعودية

الاستفادة من الجيل الجديد لمكاتب إدارة المشاريع لإيجاد فرص استراتيجية جديدة

October 14 2022

لقد واجهت الشركات خلال السنوات الأخيرة العديد من التأثيرات الخارجية، أبرزها جائحة كوفيد-19. وقد أجبرت تلك العوامل مختلف المؤسسات على التأقلم معها، بدءًا بالبحث عن حلول بديلة للتغلب على التحديات وتبني طرق العمل الجديدة، ووصولاً إلى التكيف مع الثورة الصناعية الرابعة. ومما لا شك فيه أن كل هذه العوامل قد زادت من مستوى التعقيد الاستراتيجي والتشغيلي للمؤسسات. فلم يعد الأمر يقتصر على ضرورة مبادرة الشركات بالاستجابة لتلك التعقيدات بشكل استباقي فحسب، وإنما يُتوقع منها أيضًا تحقيق الازدهار والنمو أثناء عملها في بيئة شحيحة الموارد. وبالتالي، أصبحت قدرة مكاتب إدارة المشاريع على تنفيذ المشاريع وبرامج تحوّل الشركات من كل الأحجام وفي العديد من المواقع بفعالية وكفاءة أمرًا ضروريًا لتحقيق تطلعات تلك الشركات وطموحاتها.

وحتى تنجح المشاريع في دفع عجلة التحوّل بحقٍ في أي مؤسسة، يجب تنفيذها على نطاق مناسب. فقد كشفت دراسة أجرتها شركة ماكنزي آند كومباني، وتضمّنت تحليل أكثر من 5000 مشروع واسع النطاق، أن 56% من تلك المشاريع حققت قيمة أقل من المتوقع، في حين تجاوزت 45% منها الميزانية المرصودة لها، وحققت 17% منها نتائج كارثية لدرجة أنها عرضت قدرة المؤسسة على البقاء للخطر. وهذا يؤكد على أهمية اتخاذ الخطوات المناسبة لتحديد مكاتب إدارة المشاريع التي تتمتع بالقدرات المناسبة للتأقلم مع مستقبل العمل.

المصدر: ماكنزي آند كومباني – تنفيذ مشاريع تقنية معلومات واسعة النطاق في المدة الزمنية المحددة وبالميزانية المرصودة مع تحقيق القيمة المنشودة

في السابق، كان يُنظر إلى مكاتب إدارة المشاريع على أنها تفتقر إلى وضوح الهوية أو الغاية داخل المؤسسة، لكنها في وضعها المستقبلي المستهدف ستكون من العوامل التمكينية لتحقيق قيمة الأعمال، إذ ستتولى التنسيق مع قادة الشركات لوضع خارطة طريق واضحة وقابلة للتنفيذ، مع الاستغلال الأمثل للموارد المحدودة للمؤسسة.

يتعين على مكاتب إدارة المشاريع أيضًا التأقلم مع الوضع الجديد والتوقعات المتزايدة للشركات. وتوضح المحاور الثلاثة أدناه العناصر الرئيسية التي يتعين على مكاتب إدارة المشاريع اعتمادها في الحاضر والمستقبل لكي تتحول   بفعالية.

التقنيات والأتمتة

أدت جائحة كوفيد-19 إلى تسريع وتيرة اعتمادنا على التقنيات في عملنا اليومي، وبالتالي، فمن المتوقع أن تكون التقنيات من الركائز الأساسية لتمكين مكاتب إدارة المشاريع من العمل بفعالية وكفاءة أكبر. وسيصبح استخدام الأدوات المتطورة والحلول السحابية في غاية الأهمية من الآن فصاعدًا حتى تتمكن الشركات من مواكبة طرق العمل الجديدة وإنشاء “مصدر واحد للحقيقة”. كما أن هذا الأمر مهم أيضًا للعمليات العابرة للحدود التي يلزم فيها التواصل بشفافية تامة وعرض التقدم المحرز في حينه من أجل اتخاذ القرارات بشكل سريع.

علاوةً على ذلك، سيصبح الذكاء الاصطناعي والتعلّم الآلي عاملا تمكين أساسيان لأتمتة عمليات مكاتب إدارة المشاريع في المستقبل، إذ سَيُسَهِّلَانِ تقديم رؤى أفضل مع تقليل الوقت الذي ستقضيه الفرق في معالجة الإجراءات يدويًا وتخصيص وقت أكثر لتحقيق القيمة من المشاريع. ورغم أن تخطيط المشاريع عادةً ما يعتمد على جمع البيانات وإجراء المقارنات المعيارية مع النماذج المشابهة في القطاع والاستفادة من خبرات مدراء المشاريع، إلا أن هذا لا يزال من أوجه القصور الكبيرة في إدارة المشاريع، إذ تقضي ثُلث فرق إدارة المشاريع التقليدية في العادة نحو يوم أو أكثر في جمع التقارير يدويًا. ومن شأن استغلال تقنية إنترنت الأشياء (IoT) والبيانات الضخمة أن يلغي الكثير من العمليات المملّة، مع تمكين مكاتب إدارة المشاريع من وضع جداول زمنية أكثر واقعية وفعالية وتحديد أي معوقات محتملة.

المصدر: معهد إدارة المشاريع (PMI) – المبتكرون في مجال الذكاء الاصطناعي، ويلينغتون – حالة إدارة المشاريع في عام 2020

ومع ذلك، فمن المستبعد أن تحل التقنيات محل مدراء المشاريع بالكامل، إذ تشير تقديرات معهد إدارة المشاريع أن أصحاب الأعمال سيحتاجون إلى ما يقرب من 88 مليون موظف في مناصب إدارة المشاريع بحلول عام 2027. وبالتالي، فيُتوقع من مدراء المشاريع تعزيز قدراتهم والاستفادة من الإمكانات الكاملة للتقنيات المتاحة.

كما يُتوقع من مدراء المشاريع في المستقبل أن يكونوا قدوة يُحتذى بهم من خلال مبادراتهم في مجال الأتمتة، مع تعزيز طرق عمل جديدة في مؤسساتهم. فهذا أمر من شأنه تغيير كيفية تنفيذ مسارات العمل بفعالية وكفاءة والدفع بالشركات إلى اعتماد الحلول الرقمية بشكل أكبر.

المرونة 

في ظل ارتفاع مستوى تعقيد برامج التحول وكثرة الجهات المعنية المطلوب إدارتها، قد يتطلب الأمر تعديل اتجاه المشاريع عن المخطط له في البداية. ففي حالة عدم الاستجابة للتعقيدات والتحديات بالشكل المناسب، قد يؤدي ذلك إلى فشل المشاريع، إذ أشار معهد إدارة المشاريع إلى أن أبرز سببين لفشل المشاريع هما تغير الأولويات (39%) والأهداف (37%) وعدم القدرة على التأقلم.

وبالتالي، أصبحت مكاتب إدارة المشاريع التي يمكنها الاستجابة بشكل سريع للمتطلبات المتغيرة باستمرار ضرورية لتحقيق أهداف المشاريع وإنجاز مراحلها الرئيسية، وقد يكون هذا ما يفرق بين المؤسسات الرائدة ونظيراتها المتخلفة في كل قطاع. وتشمل المبادئ الرئيسية لمرونة مكاتب إدارة المشاريع ما يلي:

  • اللامركزية في التخطيط وصُنع القرار
  • المرونة في توزيع الموارد وإعادة توزيعها
  • فعالية مخططات سير العمل لضمان التقدم الدائم في المشرو

يتميز مكتب إدارة المشاريع المرن بقدرته على التأقلم من خلال تغيير الأولويات وإعادة توزيع الموارد لتحقيق الأهداف الجديدة، مع التحول بسلاسة من إعادة التنظيم إلى التنفيذ المستمر. كما يتميز بعدم مركزية القرارات، مما يتيح الاستجابة بمعدلات أعلى من أجل تحديد المخاطر والتخفيف منها. وأخيرًا، يعتبر التواصل من أهم ميزات المرونة، مع تقليل عدد مستويات الموافقات وقياس المخرجات بحسب ما يمكن إنجازه خلال مدة زمنية معينة.

المصدر: معهد إدارة المشاريع

ومع ذلك، فإن مجرد تأسيس مكتب إدارة مشاريع يتسم بالمرونة لن يحل كل المشاكل، بل الحقيقة هي أن 47% من المشاريع المرنة تعاني من التأخير أو تجاوز الميزانية أو عدم إرضاء العملاء. لذلك، للتحقيق أقصى استفادة من إمكانات مكاتب إدارة المشاريع المرنة، لابد من تحول ثقافي، بدايةً من فريق القيادة ومرورًا بكل المستويات في المؤسسة.

وبالتالي، لا يمكن لمكتب إدارة المشاريع العمل كوسيط فقط، وإنما يجب أن يعمل كشريك في الأعمال، وأن يتعاون عن كثب مع فريق القيادة وباقي وحدات الأعمال. كما يجب أن يكون أفراد الفريق قادرين على الاعتماد على أنفسهم وتحمل المسؤولية وأن تكون لديهم رؤية واضحة كاملة بشأن التقدم المحرز في المشروع وبياناته.

الاستراتيجية 

يتطلب دور مكتب إدارة المشاريع التحول من مجرد فريق يطمئن شريكًا استراتيجيًا له مصلحة مؤكدة في قدرة المؤسسة على تنفيذ استراتيجيتها. وبالتالي، يُتوقع أن تكون لدى الفريق نظرة استراتيجية أكثر شمولاً على كل مسارات العمل من أجل تحقيق القيمة في كل جوانب المشروع.

يتعين على مكاتب إدارة المشاريع التوسع من مجرد إنجاز المهام ومتابعتها إلى تولي المسؤوليات التالية:

  • التخطيط لمحفظة الأعمال – توليد الأفكار للمبادرات المطلوبة لاستغلال الفرص المتاحة
  • تحديد أولوية المشاريع – وضع الجداول الزمنية والميزانيات الأكثر فعالية بما يتوافق مع احتياجات المؤسسات
  • تخطيط القدرات – توزيع الكفاءات والموارد المناسبة على كل مسار من مسارات العمل
  • تخطيط المرونة – تحديد التحديات المحتملة مسبقًا والحد من الاضطرابات
  • الشراكة الاستراتيجية  – تحقيق التحول الثقافي في العلاقة بين الإدارة ومكتب إدارة المشاريع لكي يُنظر إلى هذا الأخير كقائد للأعمال ومستشار له مصلحة أكيدة في تحقيق أهداف المؤسسة

يعتبر إشراك الجهات المعنية والتواصل الدائم معها هو مفتاح النجاح، مع إجراء مكتب إدارة المشاريع وقادة الأعمال لمشاورات استراتيجية متكررة لمراقبة استراتيجية الأعمال والأهداف الاستراتيجية الشاملة والتوافق بشأنها. إذ سيؤدي هذا إلى إرساء عملية تعاونية للإدارة الاستراتيجية ووسيلة للتواصل السلس والتأقلم بشكل سريع وفعال.

المصدر: غارتنر 

سيكون الجيل الجديد من مكاتب إدارة المشاريع ذا طابع استراتيجي أكثر تعقيدًا مقارنة بالمنهجيات التقليدية، مع التركيز على قيادة عملية صُنع القرار والاهتمام بالتنفيذ وتحقيق النتائج، والعمل بشكل لا مركزي بدرجة أكبر حتى يتسنّى لها التعاون بفعالية مع كل مسارات العمل لتحقيق هدف مركزي واحد. وبالتالي، ستصبح مكاتب إدارة المشاريع أكثر أهمية من ذي قبل للتغلب على التعقيدات التي تواجهها الشركات حاليًا، وستتطلب برامج التحول الفعالة تأسيس مكاتب إدارة مشاريع تكون بمثابة الواجهة الرئيسية للمؤسسة.

تعرَّف على خبرائنا:

بول كلينكهامر | شريك في قطاع الاستراتيجية، الشرق الأوسط

بول كلينكهامر هو الشريك الإداري لشركة مونستر لاب الشرق الأوسط، ولديه أكثر من 20 عامًا من الخبرة في مختلف القطاعات في مجالات التخطيط الاستراتيجي وبناء القدرات وإدارة التغيير وتقييم السياسات وتطويرها وإطلاق الأعمال وتحويلها وعمليات التدوير وصفقات الاندماج والاستحواذ في الشرق الأوسط وأوروبا وآسيا.

Author

Peter Abdelkodos

Peter Abdelkodos

Strategy Manager

8+ years experience in strategy, financial advisory and project management across several industries and multiple countries in Europe, Middle East and Africa